من المعلوم في النظرية العامة للقانون التجاري، أن الأعمال
التجارية تنقسم إلى أعمال تجارية بالطبيعة و هي تلك الأنشطة التجارية التي جاءت في
المادتين 6 و 7 من مدونة التجارة و التي تؤدي إلى اكتساب صفة التاجر بمجرد
الاعتياد و الاحتراف على ممارستها، بالإضافة إلى الأعمال التجارية بالتبعية التي
جاءت في المادة 10 من مدونة التجارة و
التي هي في الأصل أعمال مدنية إلا ارتباطها بأنشطة التاجر أدى إلى إضفاء الصفة التجارية عليها،
هذا إلى جانب الأعمال التجارية الشكلية التي جاءت ضمن المادة 9 من مدونة التجارة
التي تنص على أنه:
«يعد عملا تجاريا بصرف النظر عن المادتين 6 و 7:
-الكمبيالة؛
- السند لأمر الموقع ولو من غير تاجر، إذا ترتب في هذه
الحالة عن معاملة تجارية».
و يمكن تعريف العمل التجاري الشكلي على بأنه: «ذلك العمل
الذي أضفى عليه المشرع الصفة التجارية بالنظر إلى الشكل الذي جاء فيه من دون الاهتمام
بصفة الأطراف أو بطبيعة التصرف موضوع العمل».
و من الأعمال التجارية بحسب الشكل في القانون المغربي
نذكر كل من:
- الشركات التجارية التي تعد عملا تجاريا بغض النظر عن غرضها، باستثناء
شركة المحاصة.
- الأوراق التجارية، كالكمبيالة و السند لأمر، دون الشيك الذي يعتبر عملا
مدنيا في الأصل.
ويهمنا في هذا الإطار الكمبيالة، وهي حسب المادة 9 من مدونة التجارة عملا تجاريا بحسب الشكل بغض النظر عن أي محدد آخر.فمالمقصود بشكلية الكمبيالة؟ و ما هي شروط اعتبارها ورقة تجارية؟ و إلى أي حد تعتبر شكلية الكمبيالة من النظام العام؟
أولا: مفهوم
شكلية الكمبيالة
من بين أهم مميزات الكمبيالة ميزة الشكلية، و معنى ذلك أن المشرع المغربي
أخضع هذه الورقة التجارية لشكل دقيق و صارم حماية للالتزام الصرفي، و ضمانا للثقة
في الورقة التجارية من لدن المتعاملين بها، مما ينعكس على القوة الائتمانية للورقة
التجارية في المعاملات التجارية.
و ترتبط الصفة التجارية للكمبيالة ارتباطا وثيقا بالشكل السالف الذكر؛ فهي
تبقى تجارية بالنسبة لجميع الأطراف، بمجرد التوقيع عليها، هذا ما جاء في قرار
لمحكمة الاستئناف التجارية بفاس 1363 بتاريخ 19/9/2006 ملف عدد 1632/06 بقوله:
«التوقيع على الكمبيالة يعد عملا تجاريا بالنسبة لصاحبه بغض النظر عن كونه
ساحبا أو حاملا أو مظهرا أو ضامنا احتياطيا».
كما أن الكمبيالة تبقى ورقة تجارية بحسب شكلها، دون النظر إلى صفة
المتعاملين بها سواء كانوا مدنيين أم تجار، و السؤال يطرح نفسه في هذا الإطار هو
مدى إمكانية اكتساب الطرف المدني المتعامل بالكمبيالة علة وجه الاحتراف و الاعتياد
لصفة التاجر؟ بمعنى مدة إمكانية انتقال الكمبيالة من مجرد عمل تجاري بحسب الشكل
إلى عمل و نشاط تجاري بالطبيعة (النظرية الموضوعية في الأعمال التجارية).
بالإضافة إلى ما سبق ذكره، فطبيعة العمل الذي أنشأت الكمبيالة من أجله لا
يؤثر في تجارية هذه الورقة، أي سواء كانت المعاملة التي سحبت من أجلها الكمبيالة
مدنية أم تجارية، على اعتبار خاصية التجريد التي تتميز بها الكمبيالة كالتزام
صرفي، فهي مستقلة عن السبب المنشأ لها (نظرية الظاهر) و من الاجتهادات القضائية في
هذا الإطار، نذكر قرار المجلس الأعلى عدد 877 المؤرخ في 09/07/2003 في الملف
التجاري عدد 355/3/1/2003:
«إن الكمبيالة تعد ذاتها دليلا على المديونية و من تم و تماشيا مع طابع
التجريد الذي يميز الالتزام الصرفي عن غيره من الالتزامات العادية و الذي يجعل
منها سندا تجاريا مستقلا عن المعاملات التي كانت في الأصل سببا في إنشائها، فإنه
لا موجب لإلزام المستفيد بإقامة الحجة لإثبات المعاملة».
و في نفس الموضوع صدر قرار لمحكمة الاستئناف التجارية عدد 1144 الصادر
بتاريخ 19/10/2004 ملف عدد 1129-2004، جاء فيه:
«لا حاجة لأن يكون للكمبيالة سبب محدد إذ أن الكمبيالة في حد ذاتها تحمل
سبب إنشائها».
ثانيا: شروط
اعتبار الكمبيالة ورقة تجارية
قلنا أن الكمبيالة عمل تجاري شكلي، و قد حدد المشرع المغربي الشكل الواجب
احترامه لوجود الكمبيالة كالتزام صرفي، بعد أن تكون هذه الأخيرة - أي الكمبيالة-
قد استوفت الشروط الموضوعية المتعلقة بصحة إنشائها (الأهلية، الرضا...).
1- البيانات
الإلزامية في الكمبيالة
توطر هذه البيانات المادة 159 من مدونة التجارة، و هي كالتالي:
- تسمية كمبيالة؛
- الأمر الناجز؛
- تعيين ميعاد الاستحقاق؛
- تعيين مكان الوفاء؛
- تعيين تاريخ إنشاء الكمبيالة و مكانه؛
- اسم و إمضاء و توقيع الساحب؛
- اسم المستفيد؛
- تعيين تاريخ إنشاء الكمبيالة و مكانه؛
إلى جانب أن المشرع المغربي أوجد في المادة 160 من مدونة
التجارة بدائل لبعض هذه البيانات، حماية منه للالتزام الصرفي ككل.
و نظرا لأن المقصود في هذا المحور
هو الوقوف عند الطبيعة القانونية للكمبيالة فإننا سنحيد عن تحليل تلك البيانات و
نقتصر على مدى تأثيرها على تلك الطبيعة السالفة الذكر.
2-حكم تخلف
أحد البيانات الإلزامية في الكمبيالة
إذا تخلفت شكلية الكمبيالة نظرا لغياب أحد أو أكثر من البيانات الإلزامية مع
مراعاة بالطبع المادة 160 من مدونة التجارة، يؤدي إلى بطلان الكمبيالة كورقة
تجارية خاضعة لقانون الصرف.
غير أنه لا بد من الرجوع إلى ما جاء في الفقرة الأخيرة من المادة 160 من
مدونة التجارة، التي تنص:
«تعتبر الكمبيالة التي ينقصها أحد البيانات الإلزامية غير صحيحة و لكنها قد
تعتبر سندا عاديا لإثبات الدين، إذا توفرت شروط هذا السند».
بمعنى أن الكمبيالة التي ينقص أحد
البيانات المنصوص عليها في المادة 160 يفقدها صحتها كورقة تجارية، و هذا ما جاء فس
جملة من القرارات و الإحكام القضائية نذكر منها:
-قرار للمجلس الأعلى عدد 1270، المؤرخ في 20/06/2001 في الملف التجاري عدد
1124/03/2/99.
«الكمبيالة خضوعها لقانون الصرفي
(نعم) – وجوب تضمينها للبيانات الإلزامية.
لما كان يجوز التمسك ببطلان
الإلتزام الصرفي في مواجهة الكافة و من ضمنهم الحامل المظهر له سواء كان حسن النية
أو سيء النية بخلو الكمبيالة من واحد أو أكثر من البيانات الإلزامية المنصوص عليها
في المادة 159 من مدونة التجارة فإن المحكمة عندما اعتبرت عدم ذكر اسم المستفيد في
السندين لا يقدح في صحتهما باعتبار أن ذلك مرده إلى طبيعة المعاملات التجارية و
كثرة المناولة اليدوية التي تعرفها الأوراق التجارية، لم تجعل لما قضت به أساسا من
القانون و عرضته للنقض».
و حسب هذا النموذج من العمل
القضائي فالكمبيالة تتحول من ورقة تجارية إلى مجرد سند عادي مثبت للدين متى تخلفت
شروط اعتباره كمبيالة، من جانب و توفرت فيه شروط السند العادي، و يجد مقتضى الفقرة
الأخيرة من المادة 160 من مدونة التجارة سنده في القواعد العامة فيما هو منصوص
عليه في الفصل 309 من ق.ل.ع الذي ينص:
«إذا أبطل الالتزام باعتبار ذاته و
كان به ما من الشروط ما يصح به التزام آخر، جرت عليه القواعد المقررة لهذا
الالتزام الأخير».
أو ما يسمى لدة الفقهاء بنظرية
تحول التصرف، الذي أخذ بها المشرع المغربي في الفصل السالف الذكر، و ذهب العمل
القضائي الفرنسي إعمالا لنظرية تحول التصرف إلى أن الكمبيالة الباطلة قد تتحول إلى
سند لأمر إذا تضمنت البيانات التي اشترطها القانون في هذا السند.
ثالثا: مدى
اعتبار شكلية الكمبيالة من النظام العام
إن الدفع ببطلان الكمبيالة نظرا
لتعذر أحد البيانات الإلزامية المحددة لشكل الكمبيالة، يعتبر من النظام العام، يحق
لكل من له مصلحة أن يتمسك به، و هذا ما جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بالدار
البيضاء صادر بتاريخ 16/07/1985 الذي جاء فيه:
«و حيث يتجلى من الإطلاع على
الكمبيالة المدلى بها، بأنها لا تحمل توقيع الساحب، وحيث بذلك تكون باطلة ككمبيالة
لانعدام بيان إلزامي و هذا ما استقر عليه اجتهاد محكمة النقض الفرنسية....الذي أيد
حكم قاضي الموضوع الذي أثار تلقائيا بطلان السند "الكمبيالة" لانعدام البيانات
الإلزامية...و حيث تكون بذلك الكمبيالة المحررة باطلة ككمبيالة...»
و يترتب على اعتبار شكلية
الكمبيالة من النظام العام ما يلي:
-للقاضي من تلقاء نفسه إثارة بطلان الكمبيالة لتعذر أحد البيانات الإلزامية
فيها:؛
-لا يمكن إثارة بطلان الكمبيالة بسبب تخلف أحد بياناتها الإلزامية، لأول
مرة أما المجلس الأعلى؛
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق